دفوع المتهم في قضايا النصب
تعد قضايا النصب من أشهر الجرائم وأوسعها انتشاراً ومن أخطر الجرائم التي تمس الثقة بين الأفراد تؤثر على استقرار المعاملات المالية والتجارية، حيث أنها تعتمد في أركانها بشكل أساسي على الخداع واستعمال وسائل احتيالية للاستيلاء على أموال الغير بغير وجه حق.
وفي سبيل حماية الأموال العامة والخاصة من تعرضها لمثل هذا النوع من الجرائم، وضع القانون المصري العديد من نصوص القانون التي تجرم جريمة النصب وتضع لها عقوبات رادعة.
ولكن أيضاً منح القانون المصري للمتهمين في جرائم النصب الحق في الدفاع عن أنفسهم بكافة الوسائل القانونية المشروعة، سواء من خلال دفوع شكلية تتعلق بالإجراءات، أو دفوع موضوعية تمس جوهر الجريمة وأركانها. ويُعد فهم هذه الدفوع وتحليلها بدقة من أهم عناصر الدفاع الناجح، حيث يمكن أن تؤدي إلى إبطال الدعوى أو تخفيف العقوبة أو إثبات براءة المتهم إذا ثبت ضعف الأدلة أو بطلان الإجراءات.
أهمية دفوع المتهم في قضايا النصب
تعتبر الدفوع هي وسيلة الدفاع الوحيدة التي يمتلكها المتهم في القضايا الجنائية عامة والتي تساعد على إظهار براءته من خلال التركيز على الأدلة المبينة في الجريمة وتوضيح الملابسات التي تشوب الجريمة، وفي قضايا النصب على وجه الخصوص، إذ تمثل الدفوع الخيط الفاصل بين الإدانة والبراءة. حيث يمكن تعريف الدفع القانوني بأنه الوسيلة التي يبرز بها المحامي الثغرات في الإجراءات أو يوضح ضعف الأدلة أو ينتفي بها أحد أركان الجريمة.
وفيما يلي نستعرض أهميات الدفوع بالنسبة للمتهم:

- حماية حقوق المتهم وضمان المحاكمة العادلة له، وذلك من خلال التصدي لأي بطلان في إجراءات القبض أو التحقيق أو الإحالة.
- الكشف عن الجوانب القانونية والواقعية للدعوى، وبالتالي يساعد ذلك المحكمة في الوصول إلى حكم عادل مبني على فهم سليم للوقائع.
- تمكين الدفاع من نفي التهمة أو تخفيفها عبر إثبات أن النزاع مدني لا جنائي، أو أن قصد الاحتيال غير متوفر.
- ضمان التطبيق الصحيح والسليم للقانون ومنع إساءة استخدام النصوص الجنائية في غير موضعها.
شاهد أيضًا: مدة التقاضي في القضايا الجنائية وأهم المعلومات القانونية
أنواع الدفوع
تنقسم الدفوع التي يعتمد عليها المتهم في محاولة إثبات براءته إلى دفوع شكلية ودفوع موضوعية، ويكمن الفارق بينهما في أن الدفوع الشكلية تتعلق بالإجراءات القانونية، مثل القبض والتحقيق والاختصاص والتقادم، بينما تتعلق الدفوع الموضوعية بجوهر الجريمة نفسها، مثل الاحتيال والقصد والضرر ومدنية النزاع، وفيما يلي نستعرض بالتفصيل أنواع الدفوع:
الدفوع الشكلية في جريمة النصب
تشمل أنواع الدفوع الشكلية في جريمة النصب ما يلي:
بطلان القبض والتفتيش
هو من أهم الدفوع الشكلية التي يمكن للمتهم أو المحامي التمسك بها في قضايا النصب، حيث أنه يستند إلى أن القبض أو التفتيش إجراءات استثنائية ولا يجوز المساس بحرية الأفراد أو ممتلكاتهم إلا في حدود ما رسمه القانون، لذلك، إذا تم القبض أو التفتيش دون إذن من النيابة العامة أو في غير حالات التلبس، فإن هذا الإجراء اعتبر باطلًا، ويترتب على ثبوت هذا الدفع استبعاد الأدلة الناتجة عن هذا الإجراء.
بطلان التحقيق
ويعتبر الدفع ببطلان التحقيق من الدفوع الشكلية الأساسية التي يمكن أن تُبطل الدعوى الجنائية إذا ثبتت صحته، حيث أن من الممكن أن يترتب على هذا الدفع بطلان جميع الإجراءات اللاحقة عليه، ويستند هذا الدفع إلى أن التحقيق الجنائي يجب أن يتم وفقًا للضوابط القانونية التي كفلها قانون الإجراءات الجنائية والدستور، والتي تهدف إلى حماية حقوق المتهم وضمان عدالة المحاكمة
عدم اختصاص المحكمة
حيث يعتبر الدفع بعدم اختصاص المحكمة من الدفوع الشكلية التي تساعد في بطلان الحكم، ويُقصد به أن المحكمة التي تنظر القضية غير مختصة قانوناُ بنظرها، سواء من حيث الاختصاص النوعي أو المكاني أو الوظيفي، ويترتب على ثبوت هذا الدفع إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، ذلك أن الحكم الصادر من المحكمة غير المختصة أصبح باطلًا.
انقضاء الدعوى الجنائية
وهي من أهم الدفوع الشكلية التي تؤدي إلى انتهاء الخصومة الجنائية، وفي قضايا النصب، يمكن أن تنقضي الدعوى الجنائية بعدة أسباب نص عليها قانون الإجراءات الجنائية المصري، مثل التقادم أو وفاة المتهم أو التسوية أو صدور حكم نهائي بات.
عدم قبول الدعوى المدنية التابعة
ويعتبر هذا الدفع من الدفوع الشكلية التي تُثار أمام المحكمة الجنائية عندما يقيم المجني عليه دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج من الجريمة ضمن الدعوى الجنائية الأصلية، والهدف من هذا الدفع هو منع نظر الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية لعدم استيفائها الشروط القانونية، أو لوجود مانع يمنع قبولها، ومن أسباب عدم قبول الدعوى المدنية التابعة، على سبيل المثال عدم الصفة إذا كان رافع الدعوى ليس هو صاحب الحق، أو عدم دفع الرسوم القضائية المقررة قانوناً.
اقرأ المزيد: متى يصدر حكم البراءة في النصب؟
الدفوع الموضوعية في جريمة النصب
نوضح لك من خلال الفقرات التالية أهم الدفوع الموضوعية:

انتفاء ركن الاحتيال
ويعد انتفاء ركن الاحتيال من أهم الدفوع الموضوعية التي يمكن أن تُسقط جريمة النصب عن المتهم، ذلك لأن الاحتيال هو الركن الجوهري الذي تقوم عليه الجريمة، وبدونه لا يتحقق النصب حتى وإن وُجد ضرر أو تسليم مال.
انتفاء القصد الجنائي
يعتبر هذا الدفع أحد أهم الدفوع الموضوعية الجوهرية في قضايا النصب، لأنه يهدف إلى نفي الركن المعنوي للجريمة، وهو المتمثل في قصد أو نية المتهم في ارتكاب النصب، حيث أن القانون لا يُعاقب على مجرد سوء التصرف، بل يشترط أن تتوافر نية مسبقة لإلحاق الضرر بالمجني عليه.
انتفاء الضرر
هو أحد الدفوع الأساسية في جريمة النصب، ذلك أن الضرر هو الركن الجوهري في قيام جريمة النصب، وبدون وجود ضرر فلا يعتبر التصرف الصادر من المتهم نصب حتى ولو تم استعمال وسائل احتيال، حيث أن القانون لا يُعاقب على الاحتيال ما لم يترتب عليه ضرر فعلي.
الدفع بمدنية النزاع
هو دفع موضوعي في غاية الأهمية بالنسبة لقضايا النصب، فهو من أكثر الدفوع التي تساعد على إلى تبرئة المتهم أو حفظ الدعوى الجنائية، وذلك في حالة إذا اقتنعت المحكمة بأن الواقعة ليست جريمة، بل هي عبارة عن خلاف مدني أو تجاري لا يختص به القضاء الجنائي.
كذب أقوال المجني عليه
يعتبر الدفع بكذب أقوال المجني عليه من أهم الدفوع الموضوعية التي يعتمد عليها الدفاع في قضايا النصب، حيث يهدف ذلك الدفع إلى تكذيب رواية المجني عليه أمام المحكمة وإظهار التناقض الذي يصيبها مع الواقع أو مع باقي الأدلة، حيث أن القاعدة هي أن الأقوال المجردة لا تكفي لإدانة المتهم ما لم تؤيد بأدلة مادية.
عدم وجود دليل مادي على الجريمة
ويعتبر هذا الدفع أقوى الدفوع الموضوعية في قضايا النصب، لأنه يهاجم جوهر الاتهام نفسه، ويُظهر للمحكمة أن الدعوى بُنيت على الظنون والافتراضات دون وجود أي دليل يُثبت وقوع الجريمة.
وختاماً وبعد إيضاح أهمية وأنواع دفوع المتهم في قضايا النصب، نود إيضاح أن المشرع المصري قنن اللجوء إلى الدفوع القانونية كوسيلة دفاع للمتهم عن نفسه، ومن ضمن تلك النصوص ما نصت عليه المادة 336 من قانون العقوبات المصري، والتي احتوت في داخلها تعريف جريمة النصب وما ترتبه من آثار وأيضاً حقوق المتهم في تقديم الدفوع القانونية.



